لقد شهدت دولة الإمارات في السنوات الأخيرة نقلة نوعية في التعامل القانوني مع قضايا الصحة النفسية، من خلال إصدار القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 2023 في شأن الصحة النفسية، والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 30 مايو 2024.
جدول المحتويات
التعاريف الأساسية
لفهم آليات القانون من المهم معرفة التعاريف الرئيسية التي أوردها التشريع:
- الصحة النفسية: حالة الاستقرار النفسي والاجتماعي التي تكون فيها قدرة الفرد على تحقيق أهدافه، والتعامل مع ضغوط الحياة، والعمل والإنتاج والمساهمة في المجتمع.
- الاضطراب النفسي / المرض النفسي: أي اضطراب في التفكير أو المزاج أو السلوك أو الإدراك أو الذاكرة أو غيرها من القدرات العقلية، يؤدي إلى خلل في الوظائف الاجتماعية أو التعليمية أو المهنية، أو يسبب معاناة نفسية.
- المريض النفسي (Psychiatric Patient): الشخص الذي تم تشخيصه باضطراب نفسي وفق التصنيفات المعترف بها.
- العلاج الإجباري / القسري: إخضاع المريض لتلقي علاج دون موافقته، عندما تقتضي الحالة ذلك وفق الضوابط القانونية المنصوص عليها في القانون.
- العزل أو التقييد: استخدم التقييد الجسدي أو العزل في حالات الطوارئ أو ضمن الشروط القانونية المحددة.
الحقوق المضمونة للمريض النفسي
من أبرز سمات التشريع الجديد أنه يُعطي تركيزًا على حقوق المرضى النفسيين. وفيما يلي أهم الحقوق التي يكفلها القانون:
- الحق في شرح الحقوق والإجراءات
عند دخول المريض إلى مرفق الصحة النفسية، يجب أن يُقدَّم له شرح واضح لحقوقه، آليات تقديم الشكوى، والجهة المختصة بالبث فيها. - حق الموافقة المسبقة والعلم الكامل
لا يجوز بدء أي علاج إلا بموافقة المريض أو ممثله القانوني بعد التوضيح الكامل لخطة العلاج والمخاطر والفوائد، ما لم تقتض الحالة إجراء معالجة طارئة. - الحق في خصوصية المعلومات الصحية
يجب الحفاظ على سرية المعلومات المتعلقة بالحالة النفسية للمريض، ويُحظر الكشف عنها إلا بموافقة المريض أو وفقاً لقانون. - الحق في بيئة ملائمة للرعاية
ينبغي أن تكون المرافق النفسية ذات بيئة تضمن كرامة المريض، وتُلبي احتياجاته الصحية والنفسية. - الحق في تقديم الشكاوى والطعون
لكل مريض الحق في تقديم شكوى إلى لجنة حقوق المرضى بالمرفق أو الجهة المختصة، ومتابعتها، مع ضمان حياد البتّ فيها. - الحق في العلاج والمتابعة
الحق في الوصول إلى خدمات العلاج النفسي، الأدوية، التأهيل، والدعم المجتمعي، دون تمييز. - حقوق خاصة للمرضى القُصَّر
يولي القانون عناية خاصة للمرضى من الأقلّ سنًا، مع مراعاة مصالحهم الفضلى والإجراءات التي تناسب حالتهم النفسية والعمرية.
القبول في المرافق النفسية: الطوعي، القسري، والطوارئ
واحدة من القضايا القانونية الأهم في قانون الصحة النفسية هي تنظيم حالات دخول المرضى إلى المرافق النفسية، سواء بمحض إرادتهم أو قسريًا أو في حالات الطوارئ:
القبول الطوعي
إذا وافق المريض أو ممثله القانوني، يمكن إدخاله إلى مرفق الصحة النفسية بصورة طوعية، وفقًا للشروط المحددة في القانون.
القبول القسري / الإجباري
- يُسمح بإدخال المريض قسريًا في الحالات التي يشكّل فيها المريض أو غيره خطرًا على النفس أو الآخرين، أو إذا كانت الحالة النفسية تتطلب علاجًا لا يمكن توفيره إلا بمعالجة ملزمة.
- يتطلب القبول القسري موافقة لجنة الرقابة والمراجعة في الإمارة، التي تراقب ذلك وفق شروط الصياغة التشريعية والتنظيمية.
- يجوز تقديم العلاج دون موافقة في حالات الطوارئ التي تستدعي التدخل الفوري لدرء خطر على المريض أو الآخرين، لكن يجب توثيق ذلك وتبريره طبيًا.
- العلاج بالصدمات الكهربائية (Electroconvulsive Therapy) أو تغييرات جوهرية في خطة العلاج لا يجوز إجراؤها دون موافقة المريض أو ممثله، إلا في حالات الطوارئ المحددة قانونيًا.
التقييد أو العزل
- يُمنع تقييد المريض أو عزلّه إلا بموافقة الطبيب المختص، ولا يجوز استخدامها إلا في الحالات الطارئة، مع إخطار فوري للطبيب وتحديد فترة التقييد أو العزل.
- في الحالات الطارئة، قد تُمارَس إجراءات مؤقتة من قِبل الممرضة أو الكادر المختص، مع إخطار عاجل للطبيب لاتخاذ القرار المناسب.
الالتزامات والواجبات على المرافق الصحية والعاملين
يقع على عاتق المرافق الصحية النفسية والعاملين فيها مجموعة من الالتزامات لضمان تطبيق القانون وحماية حقوق المرضى:
- الترخيص والتراخيص
لا يجوز تقديم خدمات الصحة النفسية دون ترخيص من الجهة الصحية المختصة، والالتزام بالشروط والمعايير المحددة في اللائحة التنفيذية. - سجل المرضى
يجب على المرفق الحفاظ على سجل خاص بتوثيق المرضى والتدخلات المقدَّمة، وفق ما تحدده اللوائح التنفيذية. - لجنة حقوق المرضى بالمرفق
ينبغي أن يُنشئ كل مرفق لجنة لحقوق المرضى، تتلقى الشكاوى وتتابعها، وتُقدّم توصياتها للجهات المختصة. - إبلاغ وموافقة رسمية للتدخلات
قبل الشروع بأي تدخل علاجي جوهري، على المرفق أن يحصل على موافقة المريض أو ممثله، وتوثيق ذلك في السجلات الطبية. - الإشراف والمراقبة
لجنة الرقابة والمتابعة في الإمارة تقوم بفحص واردات حالات القبول القسري والتأكد من التزام المرافق بالمعايير القانونية والإجرائية. - الإبلاغ عن الحوادث والعواقب
في حالات هروب المريض أو وفاته داخل المرفق، على المرفق اتخاذ الإجراءات القانونية والإبلاغ عنها.
تأثير القانون على علاقة العمل والعمالة
من الجوانب التي أثارت اهتمامًا كبيرًا في تطبيق القانون الجديد هي تأثيره على بيئة العمل والعلاقة بين الموظف وصاحب العمل. إليك أبرز النقاط:
الحماية من التمييز والعزل الوظيفي
وفقًا للمادة 9 من القانون:
- يُمنع على صاحب العمل إصدار أي قيود على الموظف المصاب باضطراب نفسي بسبب حالته.
- لا يجوز إنهاء خدمة الموظف بسبب اضطراب نفسي إلا بعد الحصول على تقرير من “لجنة طبية متخصصة” ووفق القوانين السارية في البلاد.
- كما يجب المحافظة على سرية المعلومات المتعلقة بصحة الموظف النفسية وعدم إفشائها داخل المؤسسة إلا للضرورة وبموافقة صريحة.
تحديات التنفيذ في سياق العمل
- قد يواجه أصحاب العمل صعوبة في تحديد ما إذا كان الموظف يُعد “مريضًا نفسيًا” بحسب تعريف القانون، وما هي المعايير التي تعتمدها اللجنة الطبية المتخصصة.
- القانون لا يحدّد بدقة ما تُعدّه “قيودًا” على العمل، وقد يُفسَّر ضمناً على أنها خفض الدرجة، أو إقصاء من مشاريع، أو فرض جزئي للعمل.
- الضغط التنظيمي لطلب تقرير اللجنة الطبية قد يُشكِّل عبئًا إداريًا على المؤسسات، خصوصًا الصغيرة والمتوسطة.
- لا يمنح القانون تلقائيًا تعويضًا للموظف في حال انتهاء خدمته بغير وجه حق بناء على حالته النفسية، ولكن يمكن الطعن أمام السلطات المختصة.
العقوبات والمساند القانونية
لتعزيز الالتزام بالقانون، يتضمن التشريع عقوبات و تدابير جزائية لمن يخالف أحكامه:
- تنص العقوبات على غرامات مالية تتراوح بين 50,000 إلى 200,000 درهم إماراتي للمخالفات المتعلقة بالقانون.
- في حالات التكرار أو الجرائم الجسيمة (مثل التلاعب بالتقارير أو إدخال المرضى بطريقة غير قانونية)، تُشدد العقوبات إلى السجن أو العقوبات الأعلى حسب خطورة الفعل.
- قد تشمل العقوبات أيضًا المساءلة التأديبية للعاملين في المرافق الصحية، إضافة إلى العقوبات القانونية المدنية إن تسبب الفعل في ضرر للمرضى.
التحديات والملاحظات النقدية
رغم ما يمثله هذا التشريع من نقلة مهمة، ثمة عدة نقاط تحتاج مراقبة وتنفيذ دقيق لضمان فاعلية القانون:
- تأخر اللائحة التنفيذية
يظل التطبيق العملي للقانون مكبَّلًا بانتظار صدور اللائحة التنفيذية التي تحدد التفاصيل الإجرائية، تشكيل اللجنة الطبية، آليات الشكاوى، وغيرها من الضوابط. - التداخل مع قوانين العمل والقوانين الصحية الأخرى
يجب التنسيق بين قانون الصحة النفسية وقانون العمل الاتحادي (قانون العمل رقم 33 لسنة 2021) وقوانين الحقوق المدنية لضمان اتساق التشريعات وعدم التضارب. - تعريفات مبهمة
بعض المفاهيم مثل “قيود في العمل” أو “لجنة طبية متخصصة” تُركت دون تحديد واضح، ما قد يؤدي إلى تباين في التفسير والتطبيق. - إمكانات التنفيذ والمساءلة
ضبط التنفيذ في المرافق الصحية وضمان مساءلة الجهات المخالفة سيحتاج إلى آليات قوية للرقابة، وقد تواجه الجهات المختصة تحديات تنظيمية وموارد بشرية. - الوعي والتثقيف
لا يكفي وجود القانون وحده، بل يجب أن يكون مصحوبًا بحملات توعية للمرضى، للكادر الطبي، ولأصحاب العمل، لتبيين حقوق وواجبات كل جهة.
الأسئلة الشائعة
1. ما هو القانون الذي ينظم مجال الصحة النفسية في دولة الإمارات العربية المتحدة؟
– القانون الذي ينظم مجال الصحة النفسية في الإمارات هو قانون الصحة النفسية الاتحادي رقم (10) لسنة (2023).
2. ما هي الجهة المسؤولة عن تنفيذ وتنظيم أحكام قانون الصحة النفسية في الإمارات؟
– الجهة المسؤولة عن تنفيذ وتنظيم أحكام قانون الصحة النفسية في الإمارات هي الهيئة الوطنية للصحة النفسية.
يمثل قانون الصحة النفسية الإماراتي خطوة تقدمية نحو معالجة قضايا الصحة النفسية وإعطائها الأولوية. ويهدف إلى حماية حقوق الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، وضمان حصولهم على الرعاية والعلاج، والحد من الوصمة المرتبطة بالصحة النفسية. كما يؤكد هذا القانون على أهمية التكامل المجتمعي وتقديم خدمات الدعم للمرضى وأسرهم. وهو نهج شامل لرعاية الصحة العقلية، يعكس التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بتعزيز الصحة العامة والرفاهية بين سكانها.